Skip to main content

لأن الشيوعية قد أصبحت، بفضل المنظرين الماركسيين، في نظر الشغيلة وعموم الفقراء والمهمشين مرادفة للعلمانية أحيانا، للإلحادية حينا آخر، للتقدمية عند البعض، للتنويرية عند البعض الآخر، وحتى أنها قد أصبحت تظهر في الوعي العمومي (الشيوعية كمرادف للماركسية) كفرقة سياسية أو ايديولوجية تنازع الايديولوجيات الأخرى (الشيوعية في مواجهة الدين)...فمن الطبيعي أنه حينما تظهر الشيوعية كشيء واقعي، كشيء بسيط يمكن أن تصل اليه الجماهير بنهوضها الثوري التلقائي، وبدون الحاجة للمذاهب النظرية والايديولوجية، بل ضد المذهبية نفسها، فإن تلك الجماهير التي تباشر الشيوعية في حركتها بمستويات وأشكال متنوعة لا ترى فيما تقوم به أية شيوعية....وهذا طبيعي، لأن الجماهير لا ترى في حركتها حركة علمانية أو حركة إلحادية أو تقدمية أو تنويرية، فهي لا تواجه سوى شروط حياتها المادية المباشرة، ولا تستهدف غير تغيير أسلوب الانتاج الرأسمالي الذي يدفعها الى حضيض الفقر والبطالة والمجاعات والحروب وقمع أجهزة الدولة وتسلطيتها. لذلك فهذه الجماهير لا تتجه لعلمنة الدولة (فتلك مهمة العلمانيين، أي أولائك الذين يطمعون في تحرير الدولة من كهنوت الدين وليس تحرير العمال من الاستغلال) ولا للإلحاد (فتلك مهمة الملحدين، أي أولائك الذين يطمعون في نزع فكرة الله من عقول البشر وليس نزع الطبقية من حياتهم) ولا للنزاع الايديولوجي (فتلك مهمة الأحزاب وتحشيدها للجمهور كوقود لحرب المنافسة السياسية). وبما أن الشيوعية في الذهن العام لتلك الجماهير هي العلمانية، الإلحادية...الخ فلاشك أنها لا ترى الشيوعية في حركة نضالها حتى وإن كانت حركتها قد وصلت الى درجة مهمة من النضج نحو الشيوعية...


وجمنة (في تونس) ليست سوى محاولة نحو الشيوعية. لكن الشيوعية، بطبيعتها 
كحركة تاريخية، لا يمكن أن تتطور الا على سطح اجتماعي واسع، بل وأممي، لكسر شوكة الرأسمال وكسر الحصار الذي تسلطه الدولة على كل محاولة محلية منفردة، لذلك فجمنة لن تتطور الى حركة شيوعية بدون استجابة بقية الشغيلة والفقراء لندائها الذي لا يمكن أن يكون محليا....

فبقدر ما تتطور جمنة نحو الشيوعية فإنها تبتعد عن الشيوعية الوهمية المرادفة للعلمانية، الإلحادية...الخ. ذلك أن موضوع الشيوعية التاريخي ليس العلمانية ولا الإلحاد ولا غيرهما من ترهات المثقفين، فموضوع الشيوعية الوحيد هو تغيير أسلوب الإدارة الإجتماعية للإنتاج، وتوجيه هذا الأخير لتحقيق الحاجات الفعلية المتضامنة والمتوازنة للبشر بدل توجيهه للربح. فهل قامت جمنة بغير ذلك؟
محمد مثلوثي، تونس

Comments