Skip to main content
تونس


"دعم المؤسسة الأمنية" هكذا يهتف السياسيون والمثقفون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من الأشد تزمتا إلى الأكثر حداثة وليبرالية، من راشد الغنوشي إلى حمة الهمامي، ومن إمام المسجد إلى أكاديمي الجامعة، ومن أنصار الأحزاب الحاكمة الى أنصار الأحزاب المعارضة الأكثرها راديكالية....
جوقة يومية تطالب بتزويد البوليس بالسلاح والأجهزة المتطورة وإحياء مؤسسة المخابرات وإعادة الكوادر القديمة وانتداب المزيد من الأعوان و"تحسين ظروف الأمنيين"....الخ، بل إنهم يلومون الحكومة على تساهلها هنا، وعدم الضرب بيد من حديد هناك، وبقدر الصخب والضجيج الذي أثارته بعض قوانين ميزانية 2016 فيما يتعلق ببعض التفاصيل الجبائية فإن رصد أكثر من 10 بالمائة من هذه الميزانية لحساب وزارتي الداخلية والدفاع لم يلق سوى الترحيب من جميع الكتل النيابية في ما يسمى مجلس نواب الشعب...
وبما أن "الخطر الإرهابي"، وفق الخبراء والمحللين وكل مرتزقة صناعة الرأي العام، سيمتد لسنوات طويلة، فإن "المجهود الوطني" لتعزيز "المؤسسة الأمنية" و"تطوير أدائها" وتمكينها من كل الوسائل اللوجستية والتقنية سيتواصل بنفس النسق، بل سيمتص المزيد من موارد الدولة، وسيكدس المزيد من الأسلحة بيد البوليس والجيش. ومع كل عملية إرهابية جديدة ستنتفخ ميزانية الداخلية والدفاع والسجون لتغذي هذا العملاق وتمكنه من كل وسائل القوة...
وهكذا، وتحت تصفيق المعارضة، وحذلقة الخبراء، والقصف اليومي لوسائل الإعلام، سنجد أنفسنا أمام أخطبوط مدجج بالسلاح، شديد التدريب، متغلغل في كل مسمات المجتمع، متمكن من أكثر وسائل الجوسسة والمخابرات تطورا، مدعوم بترسانة من القوانين، متمرس بالحياة السياسية، مسنود بشبكة من العمد وأنصار الأحزاب الحاكمة ومحترفي الوشاية، بحيث ستجد النضالات الاجتماعية نفسها في مواجهة آلة جهنمية من القمع تكتم أنفاسها في المهد. طبعا هذا بدون أن نتحدث عن أن أي اندلاع مستقبلي لحركة ثورية سيواجه بمجازر دموية، وستكون موازين القوى لصالح هذا المسخ الذي يتم تسمينه بالموارد التي تمتصها الدولة من عرق الأجراء ومن الثروة الاجتماعية....
"الخطر الإرهابي" الحقيقي من منظور الدولة والطبقة الحاكمة هو الخطر الثوري، خطر الطبقات المسحوقة، خطر الأحياء الشعبية، خطر المناطق المهمشة وجمهور المستبعدين من الثروة والسيادة، لذلك فهي تجهز نفسها وتحصن مواقعها تحضيرا لمعاركها الآتية ضده...
والذين يصفقون اليوم لآلة البوليس والجيش ويرمونها بالورود، باسم مقاومة الإرهاب، سيجدون أنفسهم يصفقون لها وهي تقمع الحركة الشعبية، وإن رفضوا مواصلة تقديم ولائهم لها، حتى باسم ما تبقى لهم من شرف قليل للدفاع عما يسمونه حقوق الإنسان، سيكونون أول ضحايا الوحش الذي نفخوا في روحه وسلموه رقابهم. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صباحا، يقدم اليساريون باقات الورد للبوليس
مساء، ينعتونك بالبوليس

محمد المثلوثي، تونس 16 ديسمبر 2015

Comments